كتاب: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال **


44216- عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه قال‏:‏ كان علي يخطب فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين‏!‏ أخبرني من أهل الجماعة‏؟‏ ومن أهل الفرقة‏؟‏ ومن أهل السنة‏؟‏ ومن أهل البدعة‏؟‏ فقال‏:‏ ويحك‏!‏ أما إذ سألتني فافهم عني، ولا عليك أن لا تسأل عنها أحدا بعدي، فأما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلوا، وذلك الحق عن أمر الله وأمر رسوله، فأما أهل الفرقة فالمخالفون لي ومن اتبعني وإن كثروا، وأما أهل السنة المتمسكون بما سنه الله لهم ورسوله وإن قلوا وإن قلوا، وأما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ورسوله، العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا، وقد مضى منهم الفوج الأول وبقيت أفواج، وعلى الله قصمها واستئصالها عن جدبة الأرض‏.‏

فقام إليه عمار فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ إن الناس يذكرون الفيء ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله وأهله فيء لنا وولده‏.‏

فقام رجل من بكر بن وائل يدعى عباد بن قيس وكان ذا عارضة ولسان شديد فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ والله‏!‏ ما قسمت بالسوية، ولا عدلت في الرعية‏.‏

فقال علي‏:‏ ولم - ويحك‏؟‏

قال‏:‏ لأنك قسمت ما في العسكر، وتركت الأموال والنساء والذرية‏.‏

فقال علي‏:‏ يا أيها الناس‏!‏ من كان به جراحة فليداوها بالسمن‏.‏

فقال عباد‏:‏ جئنا نطلب غنائمنا، فجاءنا بالترهات‏!‏

فقال له علي‏:‏ إن كنت كاذبا فلا أماتك الله حتى تدرك غلام ثقيف‏.‏

فقال رجل من القوم‏:‏ ومن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين‏؟‏

فقال‏:‏ رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها‏.‏

قال‏:‏ فيموت أو يقتل‏؟‏

قال‏:‏ بلى ‏[‏بل‏؟‏‏؟‏‏]‏ يقصمه قاصم الجبارين، قتله بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه، يا أخا بكر أنت امرؤ ضعيف الرأي، أما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير‏!‏ وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة وتزوجوا على رشدة وولدوا على الفطرة، وإنما لكم ما حوى عسكرهم، وما كان في دورهم فهو ميراث لذريتهم، فإن عدا علينا أحد منهم أخذناه بذنبه، وإن كف عنا لم تحمل ‏[‏نحمل‏؟‏‏؟‏‏]‏ عليه ذنب غيره‏.‏ يا أخا بكر‏!‏ لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل مكة، قسم ما حوى العسكر ولم يعرض لما سوى ذلك، وإنما اتبعت أثره حذو النعل بالنعل‏.‏ يا أخا بكر‏!‏ أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها، وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق، فمهلا مهلا رحمكم الله‏!‏ فإن أنتم لم تصدقوني وأكثرتم علي - وذلك أنه تكلم في هذا غير واحد - فأيكم يأخذ أمه عائشة بسهمه‏؟‏

قالوا أينا يا أمير المؤمنين‏!‏ بل أصبت وأخطأنا، وعلمت وجهلنا، ونحن نستغفر الله‏!‏ وتنادى الناس من كل جانب‏:‏ أصبت يا أمير المؤمنين‏!‏ أصاب الله بك الرشاد والسداد‏!‏

فقام عمار فقال‏:‏ يا أيها الناس‏!‏ إنكم والله إن اتبعتموه وأطعتموه لم يضل بكم عن منهاج نبيكم قيس شعرة، وكيف يكون ذلك وقد استودعه رسول الله صلى الله عليه وسلم المنايا والوصايا وفصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فضلا خصه الله به إكراما منه لنبيه صلى الله عليه وسلم حيث أعطاه الله ما لم يعطه أحدا من خلقه‏.‏

ثم قال علي‏:‏ انظروا رحمكم الله ما تؤمرون به فامضوا له، فإن العالم أعلم بما يأتي من الجاهل الخسيس الأخس، فإني حاملكم - إن شاء الله تعالى إن أطعتموني - على سبيل الجنة وإن كان ذا مشقة شديدة ومرارة عتيدة، وإن الدنيا حلوة، الحلاوة لمن اغتر بها‏.‏‏.‏‏.‏‏؟‏‏؟‏ من الشقوة والندامة عما قليل، ثم إني مخبركم أن خيلا من بني إسرائيل أمرهم نبيهم أن لا يشربوا من النهر، فلجوا في ترك أمره فشربوا منه إلا قليلا منهم فكونوا رحمكم الله من أولئك الذين أطاعوا نبيهم ولم يعصوا ربهم، وأما عائشة فأدركها رأي النساء وشيء كان في نفسها علي يغلي في جوفها كالمرجل، ولو دعيت لتنال من غير ما أتت إلي لم تفعل، ولها بعد ذلك حرمتها الأولى، والحساب على الله، يعفو عمن يشاء ويعذب عمن يشاء‏.‏

فرضى بذلك أصحابه وسلموا لأمره بعد اختلاط شديد فقالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ حكمت والله فينا بحكم الله، أنا ‏[‏إنا‏؟‏‏؟‏‏]‏ جهلنا ومع جهلنا لم نأت ما يكره أمير المؤمنين‏:‏ وقال ابن يساف الأنصاري‏:‏

إن رأيا رأيتموه سفاها * لخطأ الإيراد والإصدار

ليس زوج النبي تقسم فيئا * ذلك زيغ القلوب والأبصار

فاقبلوا اليوم ما يقول علي * لا تناجوا بالإثم في الإسرار

ليس ما ضمت البيوت بفيء * إنما الفيء ما تضم الأوار

من كراع في عسكر وسلاح * ومتاع يبيع أيدي التجار

ليس في الحق قسم ذات نطاق * لا ولا أخذكم لذات خمار

ذاك هو فيئكم خذوه وقولوا * قد رضينا لا خير في الأكثار

إنها أمكم وإن عظم الخط * ب ‏[‏الخطب‏]‏ وجاءت بزلة وعثار

فلها حرمة النبي وحقا * ق ‏[‏وحقاق‏]‏ علينا من سترها ووقار

‏(‏الأوار‏:‏ كغراب‏:‏ حر النار والشمس والعطش، والدخان، واللهب‏.‏ أ ه صفحة 23 المختار‏.‏ ب‏)‏

فقام عباد بن قيس وقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ أخبرنا عن الإيمان، فقال‏:‏ نعم، إن الله ابتدأ الأمور فاصطفى لنفسه ما شاء، واستخلص ما أحب فكان مما أحب أنه ارتضى الإسلام، واشتقه من اسمه، فنحله من أحب من خلقه، ثم شقه فسهل شرائعه لمن ورده وعزز أركانه على من حاربه، هيهات من أن يصطلمه مصطلم‏!‏ جعله سلما لمن دخله، ونورا لمن استضاء به، وبرهانا لمن تمسك به، ودينا لمن انتحله، وشرفا لمن عرفه، وحجة لمن خاصم به وعلما لمن رواه، وحكمة لمن نطق به، وحبلا وثيقا لمن تعلق به، ونجاة لمن آمن به، فالإيمان أصل الحق، والحق سبيل الهدى، وسيفه جامع الحلية، قديم العدة الدنيا مضماره، والغنيمة حليته، فهو أبلج منهاج، وأنوار سراج، وأرفع غاية، وأفضل دعية، بشير لمن سلك قصد الصادقين، واضح البيان عظيم الشأن، الأمن منهاجه، والصالحات مناره، والفقه مصابيحه، والمحسنون فرسانه، فعصم السعداء بالإيمان، وخذل الأشقياء بالعصيان من بعد اتجاه الحجة عليهم بالبيان، إذ وضح لهم منار الحق وسبيل الهدى، فالإيمان يستدل به على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه، وبالفقه يرهب الموت، وبالموت يختم الدنيا، وبالدنيا تخرج الآخرة وفي القيامة حسرة أهل النار، وفي ذكر أهل النار موعظة أهل التقوى والتقوى غاية لا يهلك من أتبعها، ولا يندم من عمل بها، لأن بالتقوى فاز الفائزون، وبالمعصية خسر الخاسرون، فليزدجر أهل النهى وليتذكر أهل التقوى، فإن الخلق لا مقصر لهم في القيامة دون الوقوف بين يدي الله، مرفلين في مضمارها نحو القصبة العليا إلى الغاية القصوى، مهطعين بأعناقهم نحو داعيها، قد شخصوا من مستقر الأجداث والمقابر إلى الضرورة أبدا، لكل دار أهلها‏.‏

قد انقطعت بالأشقياء الأسباب وأفضوا إلى عدل الجبار، فلا كرة لهم إلى دار الدنيا، فتبرؤا من الذين آثروا طاعتهم على طاعة الله، وفاز السعداء بولاية الإيمان، فالإيمان يا ابن قيس على أربع دعائم‏:‏ الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد؛ فالصبر من ذلك على أربع دعائم‏:‏ الشوق، والشفق، والزهد، والترقب؛ فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات‏.‏

واليقين من ذلك على أربع دعائم‏:‏ تبصرة الفتنة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة عرف السنة، ومن عرف السنة فكأنما كان في الأولين، فاهتدى إلى التي هي أقوم‏.‏

والعدل من ذلك على أربع دعائم‏:‏ غائص الفهم، وغمرة العلم، وزهرة الحكم، وروضة الحلم، فمن فهم فسر جميع العلم، ومن علم عرف شرائع الحكم، ومن عرف شرائع الحكم لم يضل، ومن حلم لم يفرط أمره وعاش في الناس حميدا‏.‏

والجهاد من ذلك على أربع دعائم‏:‏ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين؛ فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق، ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه ومن شنأ المنافقين وغضب لله غضب الله له‏.‏

فقام إليه عمار فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ أخبرنا عن الكفر على ما بنيء‏؟‏‏؟‏ كما أخبرتنا عن الإيمان‏.‏

قال‏:‏ نعم يا أبا اليقظان‏!‏ بني الكفر على أربع دعائم‏:‏ على الجفاء والعمى، والغفلة، والشك، فمن جفا فقد احتقر الحق، وجهر بالباطل ومقت العلماء وأصر على الحنث العظيم؛ ومن عمي نسي الذكر واتبع الظن، وطلب المغفرة بلا توبة ولا استكانة؛ ومن غفل حاد عن الرشد وغرته الأماني، وأخذته الحسرة والندامة، وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب، ومن عتا في أمر الله شك، ومن شك تعالى عليه فأذله بسلطانه وصغره بجلاله كما فرط في أمره فاغتر بربه الكريم والله أوسع بما لديه من العفو والتيسير، فمن عمل بطاعة الله اجتلب بذلك ثواب الله، ومن تمادى في معصية الله ذاق وبال نقمة الله، فهنيئا لك يا أبا اليقظان عقبى لا عقبى غيرها وجنات لا جنات بعدها‏!‏

فقام إليه رجل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ حدثنا عن ميت الأحياء‏.‏

قال‏:‏ نعم، إن الله بعث النبيين مبشرين ومنذرين فصدقهم مصدقون وكذبهم مكذبون، فيقاتلون من كذبهم بمن صدقهم، فيظهرهم الله ثم يموت الرسل، فتخلف خلوف، فمنهم منكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه، فذلك استكمل خصال الخير، ومنهم منكر للمنكر بلسانه وقلبه تارك له بيده فذلك خصلتان من خصال الخير تمسك بهما وضيع خصلة واحدة وهي أشرفها، ومنهم منكر للمنكر بقلبه تارك له بيده ولسانه فذلك ضيع شرف الخصلتين من الثلاث وتمسك بواحدة ومنهم تارك له بلسانه وقلبه ويده فذلك ميت الأحياء‏.‏

فقام إليه رجل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ أخبرنا على ما قاتلت طلحة والزبير‏؟‏

قال‏:‏ قاتلتهم على نقضهم بيعتي، وقتلهم شيعتي من المؤمنين حكيم بن جبلة العبدي من عبد القيس والسائحة والاساورة بلا حق استوجبوه منهما ولا كان ذلك لهما دون الإمام، ولو أنهما فعلا ذلك بأبي بكر وعمر لقاتلاهما، ولقد علم من ههنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر لم يرضيا ممن امتنع من بيعة أبي بكر حتى بايع وهو كاره ولم يكونوا بايعوه بعد الأنصار، فما بالي وقد بايعاني طائعين غير مكرهين، ولكنهما طمعا مني في ولاية البصرة واليمن، فلما لم أولهما وجاءهما الذي غلب من حبهما للدنيا وحرصهما عليها خفت أن يتخذا عباد الله خولا، ومال المسلمين لأنفسهما، فلما زويت ذلك عنهما وذلك بعد أن جربتهما واحتججت عليهما‏.‏

فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين‏!‏ أخبرنا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو‏؟‏

قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إنما أهلك الله الأمم السالفة قبلكم بتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول الله عز وجل ‏{‏كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون‏}‏ وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخلقان من خلق الله عز وجل، فمن نصرهما نصره الله ومن خذلهما خذله الله، وما أعمال البر والجهاد في سبيله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كبقعة في بحر لجي، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجل ولا ينقصان من رزق، وأفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر، وإن الأمر لينزل من السماء إلى الأرض كما ينزل قطر المطر إلى كل نفس بما قدر الله لها من زيادة أو نقصان في نفس أو أهل أو مال، فإذا أصاب أحدكم نقصانا في شيء من ذلك ورأى الآخر ذا يسار لا يكونن له فتنة، فإن المرء المسلم البريء من الخيانة لينتظر من الله إحدى الحسنيين‏:‏ إما من عند الله فهو خير واقع وإما رزق من الله ياتيه عاجل، فإذا هو ذو أهل ومال ومعه حسبه ودينه، المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما الله لأقوام‏.‏

فقام إليه رجل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ أخبرنا عن أحاديث البدع‏.‏

قال‏:‏ نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إن أحاديث ستظهر من بعدي حتى يقول قائلهم‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل ذلك افتراء علي، والذي بعثني بالحق‏!‏ لتفترقن أمتي على أصل دينها وجماعتها على ثنتين وسبعين فرقة، كلها ضالة مضلة تدعو إلى النار، فإذا كان ذلك فعليكم بكتاب الله عز وجل، فإن فيه نبأ ما كان قبلكم ونبأ ما يأتي بعدكم، والحكم فيه بين، من خالفه من الجبابرة قصمه الله، ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين، ونوره المبين، وشفاؤه النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، لا يموج فيقام، ولا يزيغ فيتشعب ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلقه كثرة الرد، هو الذي سمعته الجن فلم تناه أو‏؟‏‏؟‏ ولوا إلى قومهم منذرين قالوا‏:‏ يا قومنا‏!‏ ‏{‏إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد‏}‏ من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم‏.‏

فقام إليه رجل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ أخبرنا عن الفتنة هل سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏

قال‏:‏ نعم، إنه لما نزلت هذه الآية من قول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون‏}‏ علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي بين أظهرنا فقلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ما هذه الفتنة التي أخبرك الله بها‏؟‏ فقال‏:‏ يا علي‏!‏ إن أمتي سيفتنون من بعدي، قلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أو ليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين وحزنت على الشهادة فشق ذلك علي فقلت لي‏:‏ أبشر يا صديق‏!‏ فإن الشهادة من ورائك، فقال لي‏:‏ فإن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذا‏!‏ وأهوى بيده إلى لحيتي ورأسي، فقلت‏:‏ بأبي وأمي يا رسول الله‏!‏ ليس ذلك من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى والشكر‏!‏ فقال لي‏:‏ أجل، ثم قال لي‏:‏ يا علي‏!‏ إنك باق بعدي، ومبتلي بأمتي، ومخاصم يوم القيامة بين يدي الله تعالى فأعدد جوابا، فقلت‏:‏ بأبي أنت وأمي‏!‏ بين لي ما هذه الفتنة التي يبتلون بها وعلى ما أجاهدهم بعدك‏؟‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏ -44216- عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه قال‏:‏ كان علي يخطب فقام‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

فقال‏:‏ إنك ستقاتل بعدي الناكثة والقاسطة والمارقة - وحلاهم وسماهم رجلا رجلا، ثم قال لي‏:‏ وتجاهد أمتي على كل من خالف القرآن ممن يعمل في الدين بالرأي، ولا رأى في الدين، إنما هو أمر من الرب ونهيه، فقلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ فأرشدني إلى الفلج عند الخصومة يوم القيامة، فقال‏:‏ نعم، إذا كان ذلك فاقتصر على الهدى، إذا قومك عطفوا الهدى على العمى، وعطفوا القرآن على الرأي فتأولوه برأيهم، تتبع الحجج من القرآن بمشتبهات الأشياء الكاذبة عند الطمأنينة إلى الدنيا والتهالك والتكاثر فاعطف أنت الرأى على القرآن إذا قومك حرفوا الكلم عن مواضعه عند الأهواء الساهية، والأمر الصالح، والهرج الآثم، والقادة الناكئة، والفرقة القاسطة، والأخرى المارقة أهل الإفك المردي والهوى المطغى، والشبهة الحالقة، فلا تتكلن عن فضل العاقبة فإن العاقبة للمتقين، وإياك يا علي أن يكون خصمك أولى بالعدل والإحسان والتواضع لله والافتداء بسنتي والعمل بالقرآن منك‏!‏ فإن من فلج الرب على العبد يوم القيامة أن يخالف فرض الله أو سنة سنها نبي، أو يعدل عن الحق ويعمل بالباطل، فعند ذلك يملي لهم فيزدادوا إثما يقول الله ‏{‏ إنما نملي لهم ليزدادوا إثما‏}‏ فلا يكونن الشاهدون بالحق والقوامون بالقسط عندك كغيرهم، يا علي‏!‏ إن القوم سيفتنون ويفتخرون بأحسابهم وأموالهم ويزكون أنفسهم ويمنون دينهم على ربهم، ويتمنون رحمته ويأمنون عقابه، ويستحلون حرامه بالمشتبهات الكابة، فيستحلون الخمر بالنبيذ والسحت بالهدية والربا بالبيع، ويمنعون الزكاة ويطلبون البر، ويتخذون فيما بين ذلك أشياء من الفسق لا توصف صفتها، ويلي أمرهم السفهاء، ويكثر تتبعهم على الجور والخطاء، فيصير الحق عندهم باطلا والباطل حقا، ويتعاونون عليه ويرمونه بألسنتهم، ويعيبون العلماء ويتخذونهم سخريا‏.‏

‏[‏قلت‏؟‏‏؟‏‏]‏ يا رسول الله‏!‏ فبأية المنازل هم إذا فعلوا ذلك بمنزلة فتنة أو بمنزلة ردة‏؟‏ قال‏:‏ بمنزلة فتنة، ينقذهم الله بنا أهل البيت عند ظهورنا السعداء من أولي الألباب إلا أن يدعوا الصلاة ويستحلوا الحرام في حرم الله، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر؛ يا علي‏!‏ بنا فتح الله الإسلام وبنا يختمه، بنا أهلك الأوثان ومن يعبدها؛ وبنا يقصم كل جبار وكل منافق، حتى إنا لنقتل في الحق مثل من قتل في الباطل، يا علي‏!‏ إنما مثل هذه الأمة مثل حديقة أطعم منها فوجا عاما ثم فوجا عاما، فلعل آخرها فوجا أن يكون أثبتها أصلا وأحسنها فرعا، وأحلاها جنى وأكثرها خيرا، وأوسعها عدلا، وأطولها ملكا؛ يا علي‏!‏ كيف يهلك الله أمة أنا أولها ومهدينا أوسطها، والمسيح ابن مريم آخرها؛ يا علي‏!‏ إنما مثل هذه الأمة كمثل الغيث لا يدري أوله خير أم آخره، وبين ذلك نهج أعوج لست منه وليس مني؛ يا علي‏!‏ وفي تلك الأمة يكون الغلول والخيلاء وأنواع المثلات، ثم تعود هذه الأمة إلى ما كان خيار أوائلها، فذلك من بعد حاجة الرجل إلى قوت امرأته - يعني غزلها، حتى أن أهل البيت ليذبحون الشاة فيقنعون منها برأسها ويولون ببقيتها من الرأفة والرحمة بينهم‏.‏

‏(‏وكيع‏)‏‏.‏

44217- عن أبي وائل قال‏:‏ خطب على الناس بالكوفة فسمعته يقول في خطبته‏:‏ أيها الناس‏!‏ إنه من يتفقر افتقر، ومن يعمر يبتلى، ومن لا يستعد للبلاء إذا ابتلي لا يصبر، ومن ملك استأثر، ومن لا يستشير يندم‏!‏ وكان يقول من وراء هذا الكلام‏:‏ يوشك أن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه، وكان يقول‏:‏ ألا‏!‏ لا يستحيى الرجل أن يتعلم، ومن يسال عما لا يعلم أن يقول‏:‏ لا أعلم، مساجدكم يومئذ عامرة، وقلوبكم وأبدانكم خربة من الهدى، شر من تحت ظل السماء فقهاؤكم، منهم تبدو الفتنة وفيهم تعود؛ فقام رجل فقال‏:‏ ففيم يا أمير المؤمنين‏!‏ قال‏:‏ إذا كان الفقه في رذالكم، والفاحشة في خياركم، والملك في صغاركم، فعند ذلك تقوم الساعة‏.‏

‏(‏هب‏)‏‏.‏

44218- عن علي قال‏:‏ لا تنظر إلى من قال، وانظر إلى ما قال‏.‏

‏(‏ابن السمعاني في الدلائل‏)‏‏.‏

44219- عن علي‏:‏ لكل إخاء منقطع إلا إخاء كان على غير الطمع‏.‏

‏(‏ابن السمعاني‏)‏‏.‏

44220- عن علي قال‏:‏ ذمتي رهينة وأنا به زعيم، لمن صرحت له العبر، أن لا يهيج على التقوى زرع قوم، ولا يظمأ‏[‏ في الأصل ‏"‏يظعأ‏"‏، والتصحيح ‏"‏يظمأ‏"‏ ورد إلى مشروع المحدث عبر الإنترنت من الأخ عبد الرحمن فيتزجرالد، جزاه الله خيرا، أوعزه إلى الإحياء للغزالي، الجزء الأول، كتاب العلم، الباب السادس، ص 107، طبعة المكتبة العصرية 1996، فليراجع‏]‏ على الهدى سنخُ‏[‏سنخ‏:‏ السنخ والأصل واحد، فلما اختلف اللفظان أضاف أحدهما إلى الآخر‏.‏ أ ه 2/408 النهاية‏.‏ ب‏]‏ أصلٍ، ألا وإن أبغض خلق الله إلى الله رجل قمش علما غارا في أغباش‏[‏أغباش‏:‏ يقال‏:‏ غبش الليل وأغبش إذا أظلم ظلمة يخالطها بياض، ومنه حديث علي ‏(‏قمش علما غارا بأغباش الفتنة‏)‏ أي بظلمها‏.‏ أ ه 3/339 النهاية‏.‏ ب‏]‏الفتنة عميا بما في غيب الهدنة ‏[‏الهدنة‏:‏ السكون‏.‏ والهدنة‏:‏ الصلح والموادعة بين المسلمين والكفار، وبين كل متحاربين‏.‏ ومنه حديث علي‏:‏ ‏(‏عميانا في غيب الهدنة‏)‏ أي لا يعرفون ما في الفتنة من الشر، ولا ما في السكون من الخير‏.‏ أ ه 5/252 النهاية‏.‏ ب‏]‏ سماه أشباهه من الناس عالما، ولم يغن في العلم يوما سالما، بكر فاستكبر فما قل منه فهو خير مما كثر حتى إذا ما ارتوى من ‏(‏ماء آجن‏)‏ وأكثر من غير طائل قعد للناس مفتيا لتخليص ما التبس على غيره، إن نزلت به إحدى المبهمات هيأ حشوا من رأيه، فهو من قطع المشتبهات في مثل غزل العنكبوت، لا يعلم إذا أخطأ لأنه لا يعلم أخطأ أم أصاب خباط عشوات ركاب جهالات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم، لا يعض في العلم بضرس قاطع، ذراء الرواية ذرو الريح الهشيم، تبكي منه الدماء، وتصرخ ‏[‏في الأصل ‏"‏تضرخ‏"‏، والتصحيح ‏"‏تصرخ‏"‏ورد إلى مشروع المحدث عبر الإنترنت من الأخ عبد الرحمن فيتزجرالد، جزاه الله خيرا، أوعزه إلى قوت القلوب لطالب المكي، كتاب العلم، ذكر الفرق بين علماء الدنيا والآخرة، الجزء الأول ص 257، طبعة دار الكتب العلمية 1997، فليراجع‏]‏ منه المواريث، ويستحل بقضائه الحرام، لا ملئ والله بإصدار ما ورد عليه، ولا أهل لما فرط به‏.‏

‏(‏المعافى بن زكريا، ووكيع، كر‏)‏‏.‏

44221- عن علي أنه بلغه موت رجل من أصحابه ثم جاءه الخبر أنه لم يمت، فكتب إليه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد‏!‏ إنه قد كان أتانا خبر ارتاع له أصحابك، ثم جاء تكذيب الخبر الأول، فأنعم ذلك أن سرنا، وإن السرور بسبيل الانقطاع يستتبعه عما قليل تصديق الخبر الأول، فهل أنت كائن كرجل قد رأى الموت وعاين ما بعده فسأل الرجعة، فأسعف بطلبته فهو متأهب آثب، ينقل ما يسره من ماله إلى دار قراره، ولا يرى أن له مالا غيره، واعلم أن الليل والنهار لم يزالا دائبين في تقض الأعمار وإنفاد الأموال وطي الآجال، هيهات هيهات‏!‏ قد صحبا عادا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا، فأصبحوا قد وردوا على ربهم، وقدموا على أعمالهم والليل والنهار غضان جديدان، لم يبلهما ما مر به، مستعدين لما بقي بمثل ما أصابا به من مضي، اعلم أنك إنما أنت نظير أخوانك وأشباهك، مثلك كمثل الجسد قد فرغت قوته، فلم يبق إلا حشاشة نفسه، ينتظر الداعي، فتعوذ بالله مما تعظ به ثم تقصر عنه‏.‏

‏(‏العسكري في المواعظ‏)‏‏.‏

44222- عن أبي أراكة قال‏:‏ صليت مع علي بن أبي طالب الفجر، فلما انقلب عن يمينه مكث كأن عليه كآبة، ثم قلب يده، وقال‏:‏ والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئا يشبههم‏!‏ لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا، بين أعينهم كأمثال ركب المعز، قد باتوا لله سجدا وقياما، يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، فإذا أصبحوا والله لكان القوم باتوا غافلين‏.‏ ثم نهض، فما رئي مفترا ضاحكا حتى ضربه ابن ملجم‏.‏

‏(‏الدينوري، والعسكري في المواعظ، كر، حل‏)‏‏.‏

44223- عن يحيى بن عقيل عن علي بن أبي طالب أنه قال لعمر‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ إن سرك تلحق بصاحبيك فاقصر الأمل، وكل دون الشبع، واقصر الإزار، وارقع القميص، واخصف النعل؛ تلحق بهما‏.‏

‏(‏هب‏)‏‏.‏

44224- عن عبد الله بن صالح العجلي عن أبيه قال‏:‏ خطب علي بن أبي طالب يوما فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال‏:‏ يا عباد الله‏!‏ لا تغرنكم الحياة الدنيا فإنها دار البلاء محفوفة، وبالفناء معروفة، وبالقدر موصوفة، وكل ما فيها إلى زوال، وهي ما بين أهلها دول وسجال، لن يسلم من شرها نزالها، بينا أهلها في رخاء وسرور، إذا هم منها في بلاء وغرور، العيش فيها مذموم، والرخاء فيها لا يدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها، وتقصمهم بحمامها، عباد الله‏!‏ إنكم وما أنتم من هذه الدنيا عن سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا، وأشد منكم بطشا، وأعمر ديارا، وأبعد آثارا، فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تقلبها، وأجسادهم بالية، وديارهم خالية، وآثارهم عافية، واستبدلوا بالقصور المشيدة والسرر والنمارق الممهدة الصخور، والأحجار المسندة في القبور، الملاطية الملحدة التي قد بين الخراب فناؤها، وشيد بالتراب بناؤها، فمحلها مقترب، وساكنها مغترب، بين أهل عمارة موحشين، وأهل محلة متشاغلين، لا يستأنسون بالعمران، ولا يتواصلون تواصل الجيران، على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار، وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكلة البلى وأكلتهم الجنادل والثرى، فأصبحوا بعد الحياة أمواتا، وبعد غضارة العيش رفاتا، فجع بهم الأحباب، وسكنوا التراب، فطعنوا فليس لهم إياب، هيهات هيهات‏!‏ ‏{‏كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون‏}‏ فكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من الوحدة والبلى في دار الموتى، وارتهنتم في ذلك المضجع، وضمكم ذلك المستودع، فكيف بكم لو قد تناهت الأمور، وبعثرت القبور، وحصل ما في الصدور، وأوقفتم للتحصيل بين يدي ملك جليل، فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب، وهتكت عنكم الحجب والأستار، فظهرت منكم العيوب والأسرار، هنالك تجزي كل نفس بما كسبت ‏{‏ليجزي الذين اساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى‏}‏ ‏{‏ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا‏}‏ جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه، متبعين لأوليائه، حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله، إنه حميد مجيد‏.‏

‏(‏الدينوري، كر‏)‏‏.‏

44225- عن علي أنه خطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ أما بعد‏!‏ فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع، وإن المضمار ‏(‏المضمار‏:‏ أي اليوم العمل في الدنيا للاستباق في الجنة‏.‏ والمضمار‏:‏ الموضع الذي تضمر فيه الخيل، ويكون وقتا للأيام التي تضمر فيها‏.‏ أ ه 3/99 النهاية‏.‏ ب‏)‏ اليوم وغدا السباق، ألا‏!‏ وإنكم في أيام أمل، من ورائه أجل، فمن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خيب عمله، ألا‏!‏ فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة، ألا‏!‏ وإني لم أر كالجنة نائم طالبها، ولم أر كالنار نائم هاربها، ألا‏!‏ وإنه من لم ينفعه الحق ضره الباطل، ومن لم يستقم به الهدي جار به الضلال، ألا‏!‏ وإنكم قد أمرتم بالظعن، ودللتم على الزاد، ألا أيها الناس‏!‏ إنما الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر، ألا‏!‏ إن ‏{‏الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم‏}‏ أيها الناس‏!‏ أحسنوا في عمركم تحفظوا في عقبكم، فإن الله تبارك وتعالى وعد جنته من أطاعه، ووعد ناره من عصاه، إنها نار لا يهدأ زفيرها، ولا يفك أسيرها، ولا يجبر كسيرها، حرها شديد، وقعرها بعيد، وماؤها صديد، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل‏.‏

‏(‏الدينوري، كر‏)‏‏.‏

44226- عن علي قال‏:‏ ليس حسن الجوار كف الأذى ولكن الصبر على الأذى، وقال خير المال وما وقى العرض وقال‏:‏ لكل شيء آفة وآفة العلم النسيان، وآفة العبادة الرياء، وآفة اللب العجب، وآفة النجابة الكبر، وآفة الظرف الصلف، وآفة الجود السرف، وآفة الحياء الضعف، وآفة الحلم الذل، وآفة الجلد الفحش‏.‏

‏(‏وكيع في الغرر‏)‏‏.‏

44227- عن يحيى بن الجزار عن علي قال لعثمان‏:‏ إن سرك أن تلحق بصاحبيك فاقصر الأمل، وكل دون الشبع، وانكمش الإزار، وارقع القميص، واخصف النعل، تلحق بهما‏.‏

‏(‏كر وقال‏:‏ محفوظ، إن عليا قال لعمر - يعني بصاحبيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر‏)‏‏.‏

44228- عن أبي بكر بن عياش قال‏:‏ لما خرج علي بن أبي طالب إلى أرض صفين مر بخراب المدائن فتمثل رجل من أصحابه فقال‏:‏

جرت الرياح على محل ديارهم * فكأنما كانوا على ميعاد

وأرى النعيم وكل ما يلهى به * يوما يصير إلى بلى ونفاد

فقال علي‏:‏ لا تقل هكذا، ولكن قل كما قال الله تعالى ‏{‏كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوما آخرين‏}‏ إن هؤلاء القوم كانوا وارثين فأصبحوا مورثين وإن هؤلاء القوم استحلوا الحرم فحلت فيها النقم، فلا تستحلوا الحرم فتحل بكم النقم‏.‏

‏(‏ابن أبي الدنيا، خط‏)‏‏.‏

44229- ‏{‏مسند علي‏}‏ عن عبد الملك بن قريب قال سمعت العلاء بن زياد الأعرابي يقول سمعت أبي يقول‏:‏ صعد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب منبر الكوفة بعد الفتنة وفراغه من النهروان، فحمد الله وخنقته العبرة، فبكى حتى اخضلت لحيته بدموعه وجرت، ثم نفض لحيته فوقع رشاشها على ناس من أناس؛ فكنا نقول‏:‏ إن من أصابه من دموعه فقد حرمه الله على النار، ثم قال‏:‏ يا أيها الناس‏!‏ لا تكونوا ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا قول الزاهدين، ويعمل فيها عمل الراغبين، إن أعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، ويأمر ولا يأتي، وينهى ولا ينتهي، يحب الصالحين ولا يعمل بأعمالهم، ويبغض الظالمين وهو منهم، تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن، إن استغنى فتن، وإن مرض حزن، وإن افتقر قنط ووهن، فهو بين الذنب والنعمة يرتع، يعافى فلا يشكر، ويبتلى فلا يصبر، كأن المحذر من الموت سواه، وكأن من وعد وزجر غيره، يا أغراض المنايا‏!‏ يا رهائن الموت‏!‏ يا وعاء الأسقام‏!‏ يا نهبة الأيام‏!‏ ويا ثقل الدهر‏!‏ ويا فاكهة الزمان‏!‏ ويا نور الحدثان، ويا خرس عند الحجج ويا من غمرته الفتن وحيل بينه وبين معرفة العبر بحق‏!‏ أقول ما نجا من نجا إلا بمعرفة نفسه، وما هلك من هلك إلا من تحت يده، قال الله تعالى ‏{‏يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا‏}‏ جعلنا الله وإياكم ممن سمع الوعظ فقبل، ودعي إلى العمل فعمل‏.‏

‏(‏ابن النجار‏)‏‏.‏